اسفي: ندوة علمية حول موضوع ” قانون العقوبات البديلة بين العدالة الجنائية وحماية حقوق الانسان “

اسفي: عبد الرحيم النبوي
نظمت المحكمة الابتدائية باسفي، أمس الثلاثاء 22 يوليوز 2025، ندوة علمية حول موضوع ” قانون العقوبات البديلة بين العدالة الجنائية وحماية حقوق الانسان “، بمشاركة نخبة من الفاعلين القضائيين والمهنيين والخبراء وحقوقيين وجمعويين.
وشكل هذا اللقاء، المنظم من طرف المحكمة الابتدائية باسفي ، والذي تراس فعاليته الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بآسفي، محمد الشتوي رفقة الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بآسفي، الأستاذ علي شفيقي، ونقيب هيئة المحامين باسفي، الأستاذ “عبد الحق برائيس، ورئيس المحكمة الابتدائية بآسفي، الأستاذ رشيد نبيه، الأستاذ هشام بوصولة، وكيل الملك لدى المحكمة ذاتها، مناسبة لتدارس مقتضيات القانون رقم 22.43 المتعلق بالعقوبات البديلة، وتحليل مضامينه والبحث في آليات تفعيله على المستويين القضائي والإداري، لما له من أهمية كبرى في ترسيخ العدالة التصالحية وتعزيز مسارات الإدماج وإصلاح المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية .
وفي كلمته الافتتاحية، ثمن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف باسفي، الأستاذ محمد الشتوي، اختيار هذا موضوع الندوة نظرا لراهنتيه ولكونه سيساهم لامحالة في الاعداد الجيد لكافة المتدخلين في عملية تطبيق القانون رقم 22.43 والقوانين والمراسيم ذات الصلة سواء تلك المرتبطة بالمرسوم التطبيقي لإدارة السجون او الواردة في قوانين أخرى مثل القانون المسطرة الجنائية.
وأوضح الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف باسفي، ان العدالة الجنائية المعاصرة لم تعد تقف عند حدود الردع والزجر بل امتدت لتحتضن ميدان الإصلاح، ومن أبرز تجليات السياسة الجنائية الوطنية ، يقول الأستاذ محمد الشتوي، هو إقرار منظومة العقوبات البديلة بموجب القانون رقم 22.43 ومن هنا اصبح لزاما على القضاء بصفته الفاعل المركزي في تنزيل هذه الرؤيا، ان يمتلك أدواتها القانونية والعملية، وان يضطلع بدوره الحاسم في ضمان توازن بين متطلبات الامن القانوني وضرورة ادماج المجتمع ، مبرزا ان العقوبات البديلة هي تلك التحكيم بها عوضا عن العقوبات السالبة للحرية، وفي نطاق معين من الجرائم، وهدفها عند تنفيذها هو إعادة الادماج والتأهيل والحد من حالة العود.
ومن جهته، اكد الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بآسفي، الأستاذ علي شفيقي، على أهمية هذه الندوة التي تنظم بمناسبة صدر القانون الجديد رقم 22.43 ، والمتعلق بالعقوبات البديلة، والذي يعتبر مستجدا تشريعيا هاما، يأتي في سياق استكمال تنزيل ورش اصلاح منظومة العدالة الذي يعتبر ورشا اصلاحيا يدخل في صلب اهتمامات صاحب الجلالة الملك محمد السادس دام له النصر والتأييد، في مجال الرقي بالعدالة في بلادنا ، والتي من أهم تجلياتها نهج سياسة جنائية جديدة تقوم على مراجعة وملائمة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية ومواكبتهما للتطورات، خاصة فيما يتعلق وتطوير السياسة العقابية عبر مقاربات تساهم في تعزيز التأهيل والاندماج داخل المجتمع، وتروم الحد من مشكل وظاهرة الاكتضاض التي تشهدها السجون، مقدما شكره الخالص لكل من ساهم في عقد هذه الندوة العلمية وانجاحها.
ونقيب هيئة المحامين باسفي، الأستاذ “عبد الحق برائيس، أشار في كلمته، الى ان تنظيم هذه الندوة العلمية يعكس وعيا عميقا براهنية الموضوع واهميته البالغة في سياق الإصلاحات القانونية والقضائية التي تشهدها بلادنا، موضحا ان العقوبات البديلة لم تعد مجرد خيار ثانوي، بل أصبحت ضرورة ملحة تفرضها التحديات الراهنة ومتطلبات العدالة في مفهومها الحداثي في افق تصور جديد لفلسفة العقاب وألسنته، مشيرا الى الافاق والتحديات التي تواجه تطبيق هذا القانون، مضيفا ان تفعيل نظام العقوبات البديلة يطرح العديد من تحديات، تتطلب تظافر الجهود جميع الفاعلين في منظومة العدالة، من تشريع ملائم الى قضاة ومحامين مؤهلين مقتنعين بجدواها الى بنية تحتية واللوجستيكية ومؤسسات داعمة لتنفيذها ومراقبتها بغية الوصول الى وعي مجتمعي يتقبل بدائل هذا القانون.
الأستاذ رشيد نبيه، رئيس المحكمة الابتدائية بآسفي، قال في كلمته، بأن التفكير في مجال العقوبات السالبة للحرية، اصبح يندرج في سياق التحدي الذي يواجه كل الدول والمجتمعات سواء مسؤولين عن تدبير أمور الدولة، حقوقيين ، باحثين مهنيين وقانونيين، والذي يتمثل في السعي الى عقوبات أخرى بديلة للعقوبات السالبة للحرية، وذلك ضمن نقاش واسع وجدي، متعدد الأطراف، وانه ازاء المساوئ التي ترتبها العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، اثار التساؤل عن مدى ملائمتها على ضوء التوجيهات السياسة العقابية الحديثة، يضيف الأستاذ رشيد نبيه، حيث برزت الدعوة الى استبدالها بوسائل أخرى اكثر نجاعة، تجنبا لأثارها السيئة وكذلك لعدم فعالياتها في أداء دورها الإصلاحي.
وكشف رئيس المحكمة الابتدائية بآسفي، ان الواقع العملي قد ابان عن فشل العقوبات السالبة للحرية في أداء وظيفتها ودورها، بل ساهمت في تكريس ازمة السياسة العقابية بشان مكافحة ظاهرة الجنوح البسيط ، مع ما يستتبع ذلك من اثار سلبية موازية، يبقى أهمها الرفع من الطاقة الاستعابية للمؤسسات السجنية ، والزيادة في الانفاق على عدد الكبير من السجناء وما يتطلب ذلك من ميزانيات ضخمة ، موضحا ان الاحصائيات بالمغرب تشير ومند مدة من الزمن الى تجاوز الطاقة الاستعابية للمؤسسات بكثير، وقد أعلنت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج، خلال صيف سنة 2023 في بلاغ لها، ان عدد السجناء في المؤسسات السجنية، قد وصل الى رقم قياسي جديد بلغ 100 الف سجين، بتاريخ 7 غشت 2023 ، حيث تجاوز هذا الرقم الطاقة الاستعابية الحالية للمؤسسات السجنية التي تبلغ 64600، مما يعكس تحديات كبيرة تواجهها المندوبية، فيما يتعلق بالاكتظاظ في السجون.
وتابع الأستاذ رشيد نبيه، قوله: واستحضارا لأهمية التنسيق بين المتدخلين في مجال تنزيل قانون العقوبات البديلة، يستوجب تحديد تصور التصور الواضح الذي جاء به القانون والذي يحدد اليات التنسيق المعنية وهو ما يكفل تحقيق الالتقائية وتعزيز التعاون بين مختلف الجهات المتداخلة ، وان تنظيم هذه الندوة، يأتي من جهة، في سياق بلورة نقاش هادف وفعال لدعم سبل تنزيل قانون العقوبات البديلة مع استعراض مختلف الاكراهات والصعوبات التي قد تعيق هذا التنزيل والبحث عن سبل تدليلها، ومن جهة ثانية، يعد فرصة لتقصي وتشخيص الاحتياجات التي يتطلبها التنزيل الأمثل لقانون العقوبات البديلة .
وابرز الأستاذ هشام بوصولة، وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية باسفي، أهمية هذه الندوة التي خصصت لدراسة موضوع العقوبات البديلة في علاقته بالعدالة الجنائية، وارتباطه الوثيق بحماية حقوق الانسان، بالنظر لما يحظى به هذا الموضوع بأهمية بالغة، تتمثل أساسا في الانتظارات والآمال المعلقة عليه، سواء من السلطة القضائية او السلطة الحكومية، باعتباره خطوة تلتقي فيها السياسات الجنائية والسياسة الحكومية، الرامية الى بلورة تصور جديد بمفهوم العقاب والمساهمة في حسن اندماج المحكومين بمحيطهم الاجتماعي، خاصة المحكومين من اجل أفعال إجرامية لا تتسم بالخطورة البالغة، كما لا يتسم بها هم، ناهيك على ما يمكن ان يترتب عن تنفيد القانون من تخفيف عن المؤسسات السجنية من اكتضاض، وما يستتبع الامر من تكاليف وأعباء مادية كبيرة، واعتقد، يقول الاستاذ هشام بوصولة، ان اللجنة كانت موفقة في برمجة هذا اللقاء في هذا الوقت بالضبط ، فمن جهة، اصبح دخول القانون حيز التنفيذ وشكا، ومن جهة أخرى، حتى نستفيد من مخرجات اللقاءات والنقاشات العمومية والعلمية التي سبق ان تم عقدها سواء على المستويات الوطنية او الجهوية والمحلية.
وقد عرفت هذه الندوة التي تراس فعاليتها الأستاذ فتح الله المهدي، قاضي الاحداث ورئيس غرفة العنف ضد النساء والأطفال، بتقديم عدة عروض قيمة اتسمت برؤية متعددة الأبعاد، عكست جدية الطرح وغنى المقاربات، وتمثلت في المداخلة الأولى تحت عنوان : ” دور قاضي تطبيق العقوبات في تنزيل قانون العقوبات البديلة، للأستاذ هشام لقمان، قاضي تطبيق العقوبات بالمحكمة الابتدائية باسفي، المداخلة الثانية ، كانت للأستاذ حمزة الخياطي، نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية باسفي، في موضوع الأدوار الجديدة للنيابة العامة في ظل قانون العقوبات البديلة ” ، المداخلة الثالثة ، “قراءة في القانون المتعلق بالعقوبات البديلة” للأستاذ عبد الواحد برزوق محام بهياة المحامين باسفي، ، المداخلة الرابعة ، ” العقوبات قصيرة الأمد واثارها السلبية في الوسط السجني” لممثل السجن المركزي مول البركي ، المداخلة الخامسة ، ” دور كتابة الضبط في تنزيل مقتضيات قانون العقوبات البديلة ”
وبعد مناقشات مستفيضة، اختتمت الندوة العلمية بتوصيات تدعوا الى توفير الموارد البشرية والتقنية واللوجستيكية لتسهيل عملية تنزيل تنفيذ هذا القانون بشكل لا تبرز معه مجموعة من المعوقات التي قد لا تؤدي للاستجابة الكاملة من هذا القانون، – التفكير في انشاء منصة نظام معلوماتي كامل يتعلق بتنزيل هذه المقتضيات بدأ من تفريغ الملتمسات والطلبات ومعالجتها وتقديم الطعون بشكلها والمنازعة بشكلها واحالتها في أقرب الآجال باعتبار النظام المعلوماتي يسهل كل ما يتعلق بالإجراءات والولوج الى مختلف الحقوق القانونية، – حث مختلف الجهات المتدخلة في تنزيل هذا القانون على التنسيق والتواصل في ما بينها بشكل يسهل تبادل مختلف المعيقات المتعلقة بهذا القانون وتدليل الصعاب الحاصلة بشأنها، – تسهيل الولوج للقانون المذكور من خلال فتح المجال لكل من له مصلحة بتقدم طلب والاستفادة من العقوبات البديلة من خلال استقبالهم وسماع أوجه نظرهم ومسببات ما يمكن ان يتقدموا به حول تلك الطلبات، – اعتماد تكوينات خاصة بمختلف المتدخلين سواء قضاة ونيابة عامة وقضاة الرئاسة وكتاب الضبط وموظفي إدارة السجون ومختلف الفاعلين والساهرين على تنزيل هذا القانون، ذلك ان التكوينات الخاصة سوف تسهم في فهم فلسفة هذا القانون، – التزام مصالح الدولة من جماعات ترابية ومؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة للمؤسسات الخيريات والمؤسسات العمومية ودور العبادة وغيرها من المؤسسات والجمعيات والمنظمات الغير العمومية العاملة في خدمة الصالح العام، والتي سوف تعمل على انجاز تقارير بشكل دوري والتزامها بنجازها لتتبع تنزيل مختلف ما يتعلق بهذا النوع من العقوبات، وخاصة امام نجاح هذه التجربة في بعض التجارب المقارنة ، – تعميم الأبحاث الاجتماعية قدر الإمكان على مستوى كافة الأبحاث التمهيدية وبتواجد الصعوبات المطروحة، تمكن المشرع بالمحكمة من اجراء بحث اجتماعي قبل النطق بالحكم، ذلك ان النيابة العامة دائما ما تسعى الى تحقيق العدالة وهو ما سيؤدي الى لجوئها الى مختلف الممارسات الفضلى التي سوف تنجح تنزيل هذا القانون.