جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر.

 جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر.

أسيف : بقلم : مصطفى حمزة

عادة ما يكون عدم اهتمامنا ببعض الأحداث،… والأمكنة،… وغيرها من تراثنا المادي واللامادي – رغم أهميتها المادية والمعنوية – سببا في زوالها واندثارها، وبذلك نفقد جزءا مهما من ذاكرتنا.

وانطلاقا من هذه الملاحظة، يتضح أننا ضعينا جزءا كبيرا من تراثنا المادي واللامادي، ومما ضيعناه: القصبة الإسماعيلية، مدرسة الأمراء العلويين، الحاضرة الفوسفاطية التي بدأت تخضع للتشويه، حي الديور الجداد، المراكز ( سيدي أحمد، المزيندة ) والأحياء العمالية، قصبات الكثير من القواد، معصرة السكر سيدي شيكر…، كما ضيعنا العديد من الأهازيج والأغاني النسائية، والأحاجي، والكثير من الكلمات التي كانت تشكل ثروة لغوية، كما ضيعنا العديد من أسماء الأعلام البشرية والجغرافية…

ورغبة منا في المساهمة في الحفاظ على تراثنا، قررنا الشروع في الكتابة عن بعض الأحداث والوقائع من تاريخنا الراهن، وقررنا أن تكون البداية ب ” سجن الشماعية “، لكونه استقبل شخصيات وطنية كان لها وزن كبير عند الحمريين والمغاربة، نذكر منهم: الفقيه عبد السلام المستاري، أحد الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال، و الوطني محمد بن الطبيب الأسفي، والحاج أحمد زغلول أحد أبرز الوطنيين ببلاد أحمر… إلخ.   

1 – سجن مدينة الشماعية. ( الحلقة 1 ).

 كل الذين قضوا مدة حبسية من المغاربة بهذا السجن خلال فترة الحماية وبعدها، تشير مذكراتهم والروايات المتداولة عن بعضهم، إلى العديد من الوقائع والأحداث التي تخص تاريخنا الراهن.

ومن بين هذه الوقائع والأحداث، ” سجن مدينة الشماعية “، أو ” سيدي بو زيتونة ” الذي شكل – إلى جانب كل من ” بو المهارز “، و ” بيرو عرب “)، و ” العاذر”، و ” علي مومن ” ( (- مركز تعذيب وقهر وتخويف وترهيب للوطنيين من بلاد أحمر، وغيرها من المناطق ().

فأين يقع هذا السجن؟ وما هي دواعي تأسيسه؟ وأخيرا كيف كان يقضي المغاربة عقوباتهم داخله؟.

يقع هذا السجن بالقسم الجنوبي من حي الدرابلة، وهو في الأصل جزء من ” مدرسة الأمراء العلويين “، ذلك أنه عند دخول الفرنسيين لبلاد أحمر، وبعدما استتب لهم الأمر، اتخذوا الشماعية كمركز لتدبير شؤون القبيلة، التي كانت تمتد آنذاك على مساحة 5.000 كلم مربع، وتضم قرابة 80.000 نسمة، ويدير شؤونها أربعة قواد: عبد الرحمان بن محمد بن سليمان قائدا على الزرة الشمالية، وقاسم بلقاضي قائدا على الزرة الجنوبية، وخليفة بن عطي قائدا على الزرارات، وإبراهيم ولد الحمري قائدا على أولاد يوسف، و قد جاء هذا الاختيار نتيجة لتوفر المدينة على عاملين أساسيين:

الأول: توفرها على بناية قديمة ” مدرسة الأمراء “، تضم مجموعة من الأجنحة و الفضاءات و الغرف، تصلح لاستعمالها كمقر للمراقبة المدنية. 

الثاني: وجودها بالقرب من منجم لاستخراج الملح ( ملاحة زيمة )، يروج الحركة التجارية ما بين المدينة والمدن والمناطق المحيطة بها، ويوفر مناصب شغل لليد العاملة ().

1 – سجن مدينة الشماعية. ( الحلقة 2 ).

فما هي دواعي تواجد هذا السجن بمدينة الشماعية؟

تؤكد مجموعة من الوثائق، أن قبيلة أحمر، رغم ما مورس عليها من تسلط من طرف القواد الذين تعاقبوا على تدبير شأنها وخاصة خلال القرن 19م، ومن تعسف وتضليل من طرف القائد عيسى بن عمر العبدي، والقواد الذين كانوا يسيرون في فلكه ()، فقد بقيت وفية لطابعها التمردي ضد كل أشكال التسلط والاستبداد، وهو ما يترجم مساندتها ودعمها للشيخ أحمد الهيبة في معركة سيدي بو عثمان، واستمرار بعض الفرق الحمرية التي ظلت محافظة على أسلحتها، في القيام باضطرابات داخلية مثال: الاعتداء على الأجانب المارين بأرض أحمر ().

ونتيجة لذلك، فقد اقتطعت قبيلة أحمر في سنة 1914م من دائرة دكالة عبدة المدنية، وأضيفت إلى ناحية مراكش العسكرية، وفي 1919م أقيم مكتب للمراقبة المدنية بالشماعية، وكان أول رئيس له ” دو تريبون ” الذي اتخذ من ” مدرسة الأمراء العلويين ” مقرا إداريا وأضاف إليها عدة تغييرات من أبرزها السجن، ومجموعة من الأقسام تتبع الإقلاع الاقتصادي بالمنطقة، كما أنشأ أول مكتب للاستعلامات ().

وهكذا يتبين أن سنة 1919م، كانت هي بداية انطلاق سجن الشماعية في مهامه …، ويكون المسؤول الفرنسي ” دو تريبون ” هو مؤسسه.    

فكيف كان يقضي المغاربة عقوباتهم داخل هذا السجن؟.

تؤكد المصادر المعتمدة ()، أن باب سجن الشماعية، كان يوجد في الجهة الجنوبية الغربية لمدرسة الأمراء العلويين، المواجهة ل ” ساحة الشرفاء ”  وأن ساحته كانت تتوسطها زيتونة، ولذلك عرف ب ” سيدي بو زيتونة “، بينما كانت الجهة الشمالية منه عبارة عن فضاء مغلق ومظلم، وهو الجزء الذي كان مخصصا لمبيت السجناء.

وهكذا كان السجناء، يقضون الليل في هذا الفضاء المظلم والمغلق، في ظروف جد سيئة تتمثل في انعدام الأغطية، ورداءة الوجبات الغذائية التي كانت في غالبها مكونة من خبز من الشعير وماء، بينما كانوا يقضون النهار في أشغال شاقة ودون مقابل مادي.

فقد كان السجناء مقسمون إلى مجموعات، كل مجموعة تقوم بإنجاز عمل محدد حسب حاجيات الفرنسيين، وكان يشرف على كل مجموعة  ” مخازنية “، مهمتهم مراقبة وضبط المساجين ومعاقبتهم في حالة التمرد والاحتجاج…()، ومن الأشغال الشاقة التي كان يقوم بها المساجين المغاربة:

– اقتلاع وتقطيع الأحجار من مقلع خاص ونقلها إلى أماكن البناء، وهو عمل شاق ومتعب، بالنظر لكميات الأحجار التي كانت تتطلبها أوراش البناء – وخاصة في السنوات الأولى لاستقرار المراقبين المدنيين الأوائل – وظروف التغذية بالسجن.

– المشاركة في بناء وتشييد المرافق الإدارية، والوظيفية، والرياضية، والترفيهية، ودور الفرنسيين …().

– غرس الأشجار، وهي عملية صعبة، بما كانت تتطلبه من جهد عضلي، يتمثل في عملية حفر الأرض، ثم غرس الأشجار، وبعد ذلك جلب المياه لسقيها …().

– تنظيف أزقة وشوارع المدينة، فقد كان الفرنسيون يحرسون على أن تظل المدينة نظيفة، لكونها تشكل معبرا أساسيا بين مراكش وأسفي والشمال والجنوب …().

– تنظيف المرابط، وتقديم العلف والتبن للماشية، فقد كانت الخيول والبغال والحمير والجمال، أهم الوسائل المستعملة في التنقل وحمل البضائع من طرف الفرنسيين والمغاربة في هذه الفترة، ولذلك كانت تحظى بهذه العناية الخاصة. 

– الاشتغال في دور الفرنسيين، وهذه الفئة من المساجين كان يتم انتقاؤها بعناية، وغالبا ما كان يتم انتقاؤهم ممن لهم  دراية بفن طبخ، وإلمام بغرس النباتات وتشذيب الأشجار، وعناية بتربية الأطفال الصغار، واهتمام بتنظيف البيوت…().  

وقد كانت كل هذه الأعمال تتم تحت مراقبة وتتبع ” مخازنية “، وكان كل إخلال بهذه الأعمال، يعرض السجين إلى ضرب مبرح ومضاعفة عقوبته، كما كانوا مجبرين على رفع أيديهم تحية للمراقب المدني وغيره من المسؤولين الفرنسيين، وكل احتجاج يعرضهم للحرمان من التغذية ().  

 

سعيد الجدياني

https://www.assif.info

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *